” لا بأس، لا بأس، لا بأس .. ”
ظللتُ أردد هذه الجملة بداخلي مرارًا لعلّي أهدئ من روع المختلج في جوفي. جوقة عجيبة من المشاعر المختلفة اجتمعت واقفة على قدمٍ وساق، بلا قائد للجوقة تستمر بعزف مقطوعة شديدة العشوائية و عالية التردد ، تبعثر ما جمعته بصعوبة من شجاعة مرتجفة. فم بوقها ينعق في أذن قلبي و تقهقه طبولها في رأسي، لحنٌ غريب!
أشعر بحضور قلبي الخفّاق بداخل رأسي، كأنه صندوق مفرغ من كل شيء سوى صدى خفقات صارخة بلحن الجوقة الصاخبة. استطعت تمييز الخوف يحتضن الكمنجة و يعزف ضاحكًا .. و يتمايل الحنين أمامه محتارًا بلحن الأكورديون الذي يرقص بين يديه عبثًا .. بينما تمدد الغضب على ظهره و أصابعه تداعب اوتار القيثارة الرمادية. أخيرًا قرر الحزن كسر فقاعة عزلته و الانضمام إلى الفرقة وهو ينفخ في الناي العابس .. أمسكتُ رأسي بكلتا يداي و هززته يمنة و يسرة، متى ستنتهي هذه الفقرة؟ جثوتُ على ركبتيَّ و شرعتُ بغناء ترنيمات صامتة:
” لا بأس، لا بأس .. ”
تحملق المارة حولي، لستُ أرى سوى عيونهم التي تومض بالسخرية، و أطراف أصابعهم التي تتجه نحوي بتحذير .. لستُ أفهم حرفًا مما تقولون ! همسات متزايدة بلا معنى.
تحرك الحشدُ مجددًا بحركة رتيبة بطيئة ثم رقصوا مبتعدين على ألحان أغنيتي .. رفعتُ رأسي فجأةً حين سمعتُ صوتًا مألوفًا كنتُ قد نسيته:
” انهضي ”
عمَّ الصمتُ بداخلي، لستُ أحلم .. ابتسمتُ بغير تصديق و اغرورقت عيناي، وضعتُ كلا كفيّ على فمي بعفوية .. صوت صديقاي القديمان، جناحَيّ !